العرب -كما قلنا في الحلقة الماضية- لديهم حد فاصل معروف؛ وهو أن هناك عرباً بائدة أو عرب عاربة، وهي بمعنى تاريخ قديم, وتاريخ حديث؛ والحديث يبدأ من العرب المستعربة أي: من ذرية إسماعيل وإبراهيم عليهما السلام، فهنا حدٌ وضع.
لما جاء القرآن جاءنا بمعلم وبفاصل جديد أوسع وأجلى وأعم من قضية ما كان متعارف عليه عند اليونان والرومان، وكذلك ما كان عند العرب في الجاهلية.
هناك آيات -كما قلت- نحتاج أن نتدبرها قليلاً قليلاً، ولا نهمل أي معنى أو أي جزئية تتعلق بهذا الموضوع، وسوف نكتشف من مجموع آيات في كتاب الله تبارك وتعالى عجائب وحقائق كثيرة جداً.
مثلاً: في سورة القصص بعد أن بيَّن الله تبارك وتعالى التفصيل المحكم والبيان في قصة موسى وفرعون ذكر الله سبحانه وتعالى معلماً تاريخياً قلَّ من ينتبه له؛ ولكن تنبه له الصحابة رضي الله تعالى عنهم؛ وهو قول الله تبارك وتعالى: (( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى ))[القصص:43], فنلاحظ ملحظاً هنا؛ وهو أن هناك كتاباً -الذي هو التوراة- نزل، وأن ما قبله سماهم الله تبارك وتعالى القرون الأولى.
ونجد في سورة طه أن فرعون يقول لموسى عليه السلام: (( قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى ))[طه:51-52], ونجد أنه في عدة مواضع يأتي مثل ذلك, كما في قوله: (( كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ))[آل عمران:11], (( وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ ))[الحاقة:9], وهكذا.
ففي مواضع كثيرة نجد أن إنزال التوراة على موسى عليه السلام -بعد أن أغرق الله تبارك وتعالى فرعون ونجاه, وذهب إلى الأرض المباركة وإلى جبل الطور- كان معلماً وفاصلاً بين عهدين:
العهد الذي يمكن أن نسميه القرون الأولى.
والعهد الذي يمكن أن نسميه القرون الأخرى أو المتأخرة.
وفي هذا حكم ومعان وقضايا تاريخية عجيبة، فمثلاً: أن الله عز وجل لم يهلك أمة من الأمم المكذبة والكافرة بعامة؛ من بعد أن أنزل التوراة على موسى عليه السلام.
يعني: أصبحت السنن التاريخية، والسنن التي جعلها الله في هذا الكون تعمل تلقائياً، فأصبح الجهاد فرضاً على المؤمنين, والإبلاغ والبيان فرضاً على المؤمنين مقابل الكافرين, وينصر الله تبارك وتعالى ويعز دينه في النهاية، وإن كانت الحرب بينهم دولاً: (( وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ))[آل عمران:140]؛ لكن المهم أن السنن البشرية الكونية العامة تعمل.
ما قبل ذلك -يعني: من فرعون فما سبق- هناك إهلاك وتدمير عام للكافرين وإنجاء فقط للمؤمنين، وهذا واضح جداً في كتاب الله تبارك وتعالى, وفي التاريخ المعروف عن تاريخ الأنبياء في التوراة وفي التاريخ العام.
إذاً: نجد أن هذا النوع من التضاد أو التنافر، يعني: عندما اكتشف الغربيون الآثار الفرعونية واكتشفوا اللغة الهيروغليفية وغيرها، أحسوا وشعروا بأنهم اكتشفوا التاريخ القديم، بينما نحن نقول: إن هذا هو آخر ما في التاريخ القديم، ومِن بعده يبدأ التاريخ الحديث والمعروف؛ والذي هو نزول التوراة!
متى أُنزلت؟ طبعاً هناك تقديرات أنها حوالي عام ألف وثلاثمائة إلى ألف وأربعمائة, يعني: في القرن الثالث عشر وربما القرن الرابع عشر قبل الميلاد, من الألف الذي هو تاريخ داود وسليمان عليهما السلام قبل المسيح بألف سنة تقريباً؛ من هنا التاريخ الحاضر معروف معرفة شبه كلية جيدة تماما ًكما أشرنا في اللقاء الماضي.
بمعنى آخر: نحن الآن عندما نريد أن نحل المشكلة التاريخية التي وقعت في كل نسخ التوراة ؛ العبرية أو اليونانية أو السامرية, والتي جعلت أوروبا تقع في هذه المعركة الكبيرة ولم تجد مخرجاً ولا متخلصاً إلا أن تكفر بـ التوراة وبتواريخها؛ إلا من ظل منهم متعصباً مثلما أشرنا إلى حاكم ولاية أركنسو المنافس للرئيس كلينتون مثلاً وغيره من هؤلاء.
أضف تعليقا
تنويه: يتم نشر التعليقات بعد مراجعتها من قبل إدارة الموقع